آراء

الخاسر الأكبر هو الوطن!

أحمد محمود السلامي

|
قبل 7 ساعة و 26 دقيقة
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

في كل مرة يُبتلى الوطن بالحرب ، تتكرر المشاهد ذاتها كأن الزمن لا يتعلم ، وكأن الشعوب محكومة بإعادة السيناريو نفسه جيلاً بعد جيل . يقرعون الطبول من يمتلكون المنابر، لكن من يتقدم إلى خطوط النار ليسوا أصحاب الصوت العالي ، بل أصحاب الجيوب الخالية . يُستدعى الفقراء والغلابة من أبناء الشعب ، أبناء الأكواخ والقرى والأحياء الشعبية المنسية ويصبحون وقود المعارك ويضحون بأنفسهم . يُقال لهم إن الوطن يناديكم ، وإن صفحات التاريخ تنتظر أسماءهم ، وإن الشهادة خلاصٌ ومجد لهم، وأن الجنة وحور العين في انتظارهم ! ولا أحد ينكر شجاعتهم وبطولاتهم ؛ فهم وحدهم من يضعون أرواحهم في كفة، ويضعون الوطن في الكفة الأخرى.
وحين تنطفي نيران الحرب ، وحين يعود الجنود الحقيقيون منهكين يبحثون عن لقمة عيش أو فرصة عمل تُنصفهم، يحدث انقلاب للمشهد. يعود أثرياء الحروب من مخابئهم، ويخرج المنافقون من جحور الخطابات والمنابر ، ويفتح المتسلقون دفاتر حساباتهم . فجأة يصبح الوطن غنيمة، وتتحول المآسي إلى مشاريع، وتصبح الأنقاض فرصًا استثمارية لأصحاب النفوذ . يُقصى من ضحّى، ويُكافأ من تفرّج. كأن دماء الفقراء كانت ثمناً لولائم غيرهم . وهكذا، تتبدل الأدوار، وتتكشف الفجوة بين من يضحّي ومن يستفيد .
هذه الدورة العبثية ليست قدراً ، لكنها نتيجة صمت طويل وغفلة مجتمعية تُغذّيها العاطفة والجهل و الخوف .. حين يجب أن يتقدم الإدراك . متى نعي ما يدور في وطننا ؟ متى نفهم أن الوطن ليس شعاراً يرفعه الأقوياء عند الحاجة، بل مسؤولية مشتركة لا يمكن أن تُبنى على ظهور البسطاء وحدهم ؟ متى ندرك أن العدالة ليست كلمة رنانة في نهاية خطاب ، بل هي فعل يجب أن يتم ؟ .

لن تُصلح الحروب وطناً ، ولن تبنيه الشعارات واصوات الميكروفونات العالية و الوعظ الكاذب . ما يبنيه هو إدراك جماعي يرفض استخدام ابناء الشعب كبطارية تُستعمل ثم تُرمى ، ويمنع تحويل الوطن إلى صيد ثمين يتقاسمه المنتفعون بعد كل حرب . ما يبنيه هو كسر هذه الدائرة التي جعلت الكثير من الشعوب من نار حرب إلى جحيم حربٍ أخرى أشد قسوة حرب لا ينتصر فيها أحد ! و تنتهي بالجلوس و التفاوض مع الضد ، لتقاسم السلطة والثروات في عملية سلام زائف . أما أفراد الشعب الصابر المطحون الذين عانوا الويلات وكابدوا الازمات لازالوا يحملون بصيص أمل ويشيدون من جراحهم جسورا نحو غد أكثر عدلاً وانصافاً .

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية